السعودية- سياسة التوازن الدولي وتعزيز الاستقرار الإقليمي

المؤلف: سلطان السعد القحطاني09.08.2025
السعودية- سياسة التوازن الدولي وتعزيز الاستقرار الإقليمي

عندما نتأمل في التحركات الدبلوماسية السعودية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، يتبدى لنا بوضوح جوهر السياسة التي تتبناها المملكة: إنها سياسة راسخة تقوم على إرساء التوازنات الدولية الدقيقة، وتوظيف العلاقات الخارجية كأداة فاعلة لترسيخ الاستقرار العالمي، لا الميل نحو محاور معينة أو الوقوع في براثن الاستقطابات الحادة التي تعصف بالعالم.

تستند السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية إلى مبدأ جوهري وغاية في الوضوح: «لسنا مجبرين على الاختيار القسري بين شركائنا الدوليين»، كما صرح بذلك بلسان فصيح صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية، في مناسبات عديدة. بل إن المملكة بتصميم دؤوب وحكمة بالغة، تعمل على بناء علاقاتها الدولية وفق ما يخدم مصالحها الوطنية العليا في المقام الأول، ويصون أمن واستقرار المنطقة المحيطة بها في المقام الثاني. وانطلاقاً من هذا الأساس المتين، نجحت الرياض ببراعة فائقة في إدارة علاقاتها المتشعبة مع القوى العظمى المؤثرة في العالم، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، وذلك على الرغم من التوترات المتصاعدة والتحولات الحادة التي تشوب العلاقات بين هذه القوى.

وفي هذا السياق، يرى الباحث المتعمق في مركز (تشاتام هاوس) البريطاني المرموق، السيد نيل كويليام، أن «المملكة العربية السعودية قد باتت تمتلك سياسة خارجية تتسم بقدر أكبر من الاستقلالية والواقعية، فهي تحيك تحالفاتها بعناية فائقة، وتتعامل مع المتغيرات بحذر شديد، ولا تسمح إطلاقاً بأن تكون طرفاً تابعاً أو أداة طيعة في خدمة أجندات الآخرين». ويضيف قائلاً: «إن هذا النهج المتميز قد عزز بشكل ملحوظ من مكانة المملكة العربية السعودية في النظام الدولي الجديد، وجعلها قوة توازن إقليمي لا يستهان بها، ومرجعاً للحكمة والاعتدال في منطقة الشرق الأوسط والعالم».

بين واشنطن وبكين، تدير المملكة العربية السعودية علاقة تكاملية محكمة ومدروسة بعناية. فالولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تمثل شريكاً استراتيجياً تاريخياً للمملكة، وترتبط الدولتان بعلاقات أمنية وتقنية واستثمارية عميقة الجذور. أما جمهورية الصين الشعبية، فهي شريك اقتصادي محوري بالغ الأهمية في العديد من المشاريع الطموحة، مثل مشاريع البنية التحتية الضخمة، والطاقة المتجددة، والتقنية المتقدمة، وذلك في إطار يتسق تماماً مع مستهدفات رؤية المملكة الطموحة 2030.

ويقول السيد مايكل ستيفنز، الباحث المرموق في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI): «إن المملكة العربية السعودية تمارس سياسة خارجية متعددة المسارات، وتدرك تمام الإدراك أن قوتها الحقيقية تكمن في التنويع المدروس، لا في الانحياز الأعمى لطرف دون آخر»، مضيفاً أن «الرياض قد أثبتت بجدارة قدرتها الفائقة على الموازنة الدقيقة بين علاقاتها التقليدية الراسخة وعلاقاتها الناشئة والمتنامية، دون أن تفقد ثقة أي من الأطراف المعنية أو تثير حفيظة أي من الشركاء الدوليين».

وعلى صعيد العلاقة مع روسيا الاتحادية، يمثل التعاون البناء في إطار تحالف (أوبك بلس) نموذجاً عملياً ملموساً لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية الاقتصادية الرشيدة من إنجازات وفوائد جمة. فالتنسيق السعودي- الروسي الوثيق قد ساهم بشكل فعال في استقرار أسواق النفط العالمية، في وقت تعاني فيه الأسواق من تقلبات جيوسياسية حادة واضطرابات اقتصادية متزايدة. كما أن قبول موسكو للوساطات السعودية المتكررة في عدد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية يعكس تقديراً روسياً متزايداً للدور السياسي المتنامي الذي تقوم به الرياض على الساحة العالمية.

وهكذا، تواصل المملكة العربية السعودية بكل ثبات وعزم، تعزيز مكانتها المرموقة كقوة توازن وحوار بناء في عالم يموج بالاضطرابات والأزمات المتلاحقة، وذلك من خلال انتهاج دبلوماسية مرنة، واقعية، ومحكومة بحسابات المصالح الوطنية العليا في المقام الأول، والسعي الدؤوب لتحقيق الاستقرار الدولي المنشود في المقام الثاني.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة